فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {وأوحى في كل سماء أمرها} قال: خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها.
{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)} أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن الكلبي رضي الله عنه قال: كل شيء في القرآن {صاعقة} فهو عذاب.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود} يقول: أنذرتكم وقيعة عاد وثمود. وفي قوله: {ريحًا صرصرًا} باردة. وفي قوله: {نحسات} قال: مشئومات نكدات.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {فأرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} قال: شديدة الشؤم، قال: مشؤومات.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأما ثمود فهديناهم} قال: بينا لهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {وأما ثمود فهديناهم} يقول: بينا لهم سبيل الخير والشر والله أعلم.
{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)} أخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} قال: يحبس أولهم على آخرهم.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد وأبي رزين رضي الله عنه، مثله.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يوزعون} قال: يدفعون.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} قال الوزعة الساقة من الملائكة عليهم السلام يسوقونهم إلى النار ويردون الآخر على الأول.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: عليهم وزعة ترد أولهم على آخرهم.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {فهم يوزعون} قال: يحبسون بعضًا على بعض قال: عليهم وزعة ترد أولهم على آخرهم.
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لابن الأزرق: إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون حتى يؤذن لهم فيختصمون، فيجحد الجاحد بشركه بالله تعالى فيحلفون له كما يحلفون لكم، فيبعث الله عليهم حين يجحدون شهودًا من أنفسهم جلودهم، وأبصارهم، وأيديهم، وأرجلهم، ويختم على أفواههم، ثم تفتح الأفواه فتخاصم الجوارح فتقول {أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} فتقر الألسنة بعد.
وأخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت مستترًا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر، قرشي، وثقفيان أو ثقفي، وقرشيان، كثير لحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فتكلموا بكلام لم أسمعه فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا؟ فقال الآخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمع. فقال الآخران: سمع منه شيئًا سمعه كله قال: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم} إلى قوله: {من الخاسرين}.
وأخرج عبد الرزاق وأحمد والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحشرون ههنا- وأوما بيده إلى الشام- مشاة وركبانًا على وجوهكم، وتعرضون على الله وعلى أفواهكم الفدام، وإن أول ما يعرب عن أحدكم فخذه وكفه، وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم}».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه قال: ما كنتم تظنون.
وأخرج ابن جرير عن السدي رضي الله عنه {وما كنتم تستترون} قال: تستخفون.
وأخرج أحمد والطبراني وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود وابن ماجة وابن حبان وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله فإن قومًا قد أرداهم سوء ظنهم بالله عز وجل قال الله عز وجل {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين}».
{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)} أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وقيضنا لهم قرناء} قال: شياطين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {فزينوا لهم ما بين أيديهم} قال: الدنيا يرغبونهم فيها {وما خلفهم} قال: الآخرة زينوا لهم نسيانها والكفر بها.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)} أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة إذا قرأ القرآن يرفع صوته، فكان المشركون يطردون الناس عنه ويقولون {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخفى قراءته لم يسمع من يحب أن يسمع القرآن، فأنزل الله {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} [الإِسراء: 110].
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {والغوا فيه} قال: بالتصفير والتخليط في المنطق على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن قريش تفعله.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {والغوا فيه} قال: يقولون اجحدوا به وانكروه وعادوه. والله أعلم.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)} أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن قوله: {ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإِنس} قال: هو ابن آدم الذي قتل أخاه وإبليس.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وإبراهيم، مثله. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2)}
قوله: {تَنزِيلٌ}: يجوزُ أَنْ يكونَ خبرَ {حم} على القولِ بأنها اسمٌ للسورةِ، أو خبرَ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هذا تنزيلٌ أو مبتدأٌ، وخبرُه {كتابٌ فُصِّلَتْ}.
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)}.
قوله: {كِتَابٌ}: قد تقدَّم أنه يجوزُ أَنْ يكونَ خبرًا ل {تَنْزيل} ويجوزُ أَنْ يكونَ خبرًا ثانيًا، وأَنْ يكونَ بدلًا مِنْ {تَنْزيل}، وأَنْ يكونَ فاعلًا بالمصدرِ، وهو {تنزيلٌ} أي: نَزَلَ كتابٌ، قاله أبو البقاء، و{فُصِّلَتْ آياتُه} صفةٌ لكتاب.
قوله: {قُرْآنًا} في نصبِه ستةُ أوجهٍ، أحدُها: هو حالٌ بنفسِه و{عربيًَّا} صفتُه، أو حالٌ موطِّئَةٌ، والحالُ في الحقيقةِ {عربيًَّا}، وهي حالٌ غيرُ منتقلةٍ. وصاحبُ الحال: إمَّا {كتابٌ} لوَصْفِه ب {فُصِّلَتْ}، وإمَّا {آياته}، أو منصوبٌ على المصدرِ أي: تقرؤه قرآنًا، أو على الاختصاصِ والمدحِ، أو مفعولٌ ثانٍ ل فُصِّلَتْ، أو منصوبٌ بتقديرِ فعلٍ أي: فَصَّلْناه قرآنًا.
قوله: {لقومٍ} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أَنْ يتعلَّقَ ب فُصِّلَتْ أي: فُصِّلَتْ لهؤلاءِ وبُيِّنَتْ لهم؛ لأنهم هم المنتفعون بها، وإنْ كانَتْ مُفَصَّلةً في نفسِها لجميعِ الناسِ. الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ صفةً ل {قُرآنًا} أي: كائنًا لهؤلاءِ خاصةً لِما تقدَّم في المعنى. الثالث: أَنْ يتعلَّقَ ب {تَنْزِيلٌ} وهذا إذا لم يُجْعَلْ {من الرحمنِ} صفةً له؛ لأنَّك إنْ جَعَلْتَ {من الرحمن} صفةً له فقد أَعْمَلْتَ المصدرَ الموصوفَ، وإذا لم يكن {كتابٌ} خبرًا عنه ولا بَدَلًا منه؛ لئلا يَلْزَمَ الإِخبارُ عن الموصولِ أو البدلِ منه قبلَ تمامِ صلتِه. ومَنْ يَتَّسِعْ في الظرف وعديلِه لم يُبالِ بشيءٍ من ذلك. وأمَّا إذا جَعَلْتَ {من الرحمن} متعلِّقًا به و{كتاب} فاعلًا به فلا يَضُرُّ ذلك؛ لأنه مِنْ تتمَّاته وليس بأجنبيّ، وهذا الموضعُ ممَّا يُظْهِرُ حُسْنَ علمِ الإِعرابِ، ويُدَرِّبُكَ في كثيرٍ من أبوابِه.
{بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)}.
قوله: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا}: يجوزُ أَنْ يكونا نعتَيْن ل {قُرْآنًا}، وأَنْ يكونا حالَيْنِ: إمَّا مِنْ {كتاب}، وإمَّا مِنْ {آياته}، وإمَّا من الضميرِ المَنْوِيِّ في {قُرْآنًا}.
وقرأ زيد بن علي برفعهما على النعتِ ل {كتاب} أو على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هو بشيرٌ ونذيرٌ.
{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)}.
قوله: {في أَكِنَّةٍ}: قال الزمخشري: فإنْ قُلْتَ: هَلاَّ قيل: على قلوبِنا أكنَّةٌ كما قيل: {وفي آذاننا وَقْرٌ} ليكونَ الكلامُ على نَمَطٍ واحد. قلت: هو على نَمَطٍ واحدٍ؛ لأنَّه لا فَرْقَ في المعنى بين قولِك: قلوبُنا في أكنَّةٍ، وعلى قلوبِنا أكنَّةٌ، والدليلُ عليه قولُه تعالى: {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} [الأنعام: 25]، ولو قيل: جَعَلْنا قلوبَهم في أكنَّةٍ لم يختلفِ المعنى، وترى المطابيعَ منهم لا يَرَوْن الطباقَ والملاحظةَ إلاَّ في المعاني.
قال الشيخ: وفي هنا أَبْلَغُ مِنْ على لأنَّهم قَصَدوا الإِفراطَ في عَدَمِ القبول بحُصول قلوبِهِم في أكنَّةٍ احتوَتْ عليها احتواءَ الظرفِ على المظروفِ، فلا يمكنُ أَنْ يَصِلَ إليها شيءٌ، كما تقول: المالُ في الكيس بخلافِ قولِك: على المالِ كيسٌ، فإنَّه لا يَدُلُّ على الحصر وعدمِ الوصولِ دلالةَ الوعاءِ، وأمَّا {وجعلنا} فهو من إخبار اللَّهِ تعالى فلا يَحْتاجُ إلى مبالغةٍ. وتقدَّمَ تفسيرُ الأَكنَّة والوقر.
وقرأ طلحة بكسر الواوِ وتقدَّم الفرقُ بينهما.
قوله: {ممَّا تَدْعُوْنا} مِنْ في {ممَّا} وفي {ومِنْ بَيْنِنا} لابتداءِ الغايةِ فالمعنى: أنَّ الحجابَ ابتدأ مِنَّا وابتدأ منك، فالمسافةُ المتوسطةُ لجهتِنا وجهتِك مُسْتوعبةٌ لا فراغَ فيها، فلو لم تَأْت {مِنْ} لكان المعنى: أنَّ حجابًا حاصلٌ وسطَ الجهتين، والمقصودُ المبالغَةُ بالتبايُنِ المُفْرِط، فلذلك جيْءَ ب {مِنْ} قاله الزمخشري. وقال أبو البقاءِ: هو محمولٌ على المعنى؛ لأنَّ المعنى: في أكنَّةٍ محجوبةٍ عن سماعِ ما تَدْعُونا إليه، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ نعتًا ل {أكنَّة}؛ لأنَّ الأكنَّةَ الأغشيةُ، وليسَتِ الأغشيةُ ممَّا يُدْعَوْنَ إليه.
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)}.
قوله: {قُلْ}: قرأ ابنُ وثَّاب والأعمش {قال} فعلًا ماضيًا خبرًا عن الرسولِ. والرسمُ يَحْتَملهما، وقد تقدَّم مثلُ هذا في الأنبياءِ وآخرِ المؤمنين. وقرأ الأعمشُ والنخعيُّ {يُوْحِي} بكسر الحاء أي: اللَّهُ تعالى.
قوله: {فاسْتَقِيموا إليه} عُدِّيَ ب إلى لتضمُّنِه معنى تَوَجَّهوا، والمعنى: وَجِّهوا استقامتَكم إليه.
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)}.
قوله: {غَيْرُ مَمْنُونٍ}: قيل: غيرُ منقوص، وأنشدوا لذي الإِصبع العدواني:
إني لَعَمْرُكَ ما بابي بذي غَلقٍ ** على الصديقِ ولا خَيْري بمَمْنُوْنِ

وقيل: مقطوعٌ، مِنْ مَنَنْتُ الحَبْلَ أي: قطعْتُه، وأنشدوا:
فَضْلَ الجوادِ على الخيلِ البِطاءِ فلا ** يُعْطِي بذلك مَمْنُوْنًا ولا نَزِقا

وقيل: غيرُ ممنونٍ، مِن المَنِّ؛ لأنَّ عطاءَ اللَّهِ تعالى لا يَمُنُّ به، إنما يَمُنُّ المخلوقُ.
{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)}.
قوله: {وَتَجْعَلُونَ}: عطفٌ على {لَتَكْفُرون} فهو داخلٌ في حَيِّزِ الاستفهام.
{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)}.
قوله: {وَجَعَلَ}: مستأنف. ولا يجوز عَطْفُه على صلةِ الموصولِ للفصلِ بينهما بأجنبيّ، وهو قولُه: {وتَجْعلون} فإنه معطوفٌ على {لَتَكْفرون} كما تقدَّم.
قوله: {في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} تقديرُه: في تمامِ أربعةِ أيام باليومَيْن المتقدِّمين. وقال الزجاج: في تتمةِ أربعةِ أيام يريدُ بالتتمَّةِ اليومينِ. وقال الزمخشري: في أربعة أيام فَذْلَكَةٌ لمدةِ خَلْقِ اللَّهِ الأرضَ وما فيها، كأنه قال: كلُّ ذلك في أربعةِ أيامٍ كاملةٍ مستويةٍ بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ.
قلت: وهذا كقولِك: بَنَيْتُ بيتي في يومٍ، وأكْمَلْتُه في يومَيْن. أي: بالأول. وقال أبو البقاء: أي: في تمامِ أربعةِ أيامٍ، ولولا هذا التقديرُ لكانَتِ الأيامُ ثمانيةً، يومان في الأول، وهو قوله: {خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ}، ويومان في الآخِر، وهو قوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} وأربعة في الوسط، وهو قوله: {في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ}.
قوله: {سواءً} العامَّةُ على النصبِ، وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنه منصوبٌ على المصدرِ بفعلٍ مقدرٍ أي: استَوتْ استواءً، قاله مكي وأبو البقاء. والثاني: أنه حالٌ مِنْ ها في {أقواتها} أو مِنْ ها في {فيها} العائدةِ على الأرض أو من الأرض، قاله أبو البقاء.
وفيه نظرٌ؛ لأنَّ المعنى: إنما هو وصفُ الأيامِ بأنها سواءٌ، لا وصفُ الأرضِ بذلك، وعلى هذا جاء التفسيرُ. ويَدُلُّ على ذلك قراءةُ {سَواءٍ} بالجرِّ صفةً للمضافِ أو المضافِ إليه. وقال السدي وقتادة: سواءً معناه: سواءً لمن سألَ عن الأمرِ واستفهم عن حقيقةِ وقوعِه، وأرادَ العِبْرَةَ فيه، فإنه يَجِدُه كما قال تعالى، إلاَّ أنَّ ابنَ زيدٍ وجماعةً قالوا شيئًا يَقْرُبُ من المعنى الذي ذكره أبو البقاء، فإنهم قالوا: معناه مُسْتَوٍ مُهَيَّأٌ أمرُ هذه المخلوقاتِ ونَفْعُها للمحتاجين إليها من البشر، فعبَّر بالسائلين عن الطالبين.
وقرأ زيد بن علي والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى ويعقوب وعمرو بن عبيد {سَواءٍ} بالخفضِ على ما تقدَّمَ، وأبو جعفرٍ بالرفع، وفيه وجهان، أحدهما: أنه على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ أي: هي سواءٌ لا تَزيد ولا تنقصُ. وقال مكي: هو مرفوعٌ بالابتداء، وخبرُه {للسائلين}. وفيه نظرٌ: من حيث الابتداءُ بنكرةٍ من غيرِ مُسَوِّغٍ، ثم قال: بمعنى مُسْتوياتٍ، لمن سأل فقال: في كم خُلِقَتْ؟ وقيل: للسَّائلين لجميع الخَلْقِ لأنهم يَسْألون الرزقَ وغيرَه مِنْ عند اللَّهِ تعالى.
قوله: {للسَّائلين} فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه متعلقٌ ب {سواء} بمعنى: مُسْتويات للسائلين. الثاني: أنه متعلِّقٌ ب {قَدَّر} أي: قَدَّر فيها أقواتَها لأجلِ الطالبين لها المحتاجين المُقتاتين. الثالث: أَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ كأنه قيل: هذا الحَصْرُ لأجلِ مَنْ سأل: في كم خُلِقَتِ الأرضُ وما فيها؟